فصل: ولاية مصطفى باشا وأحمد باشا كامل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.ولاية مصطفى باشا وأحمد باشا كامل:

وفي تلك السنة حضر مصطفى باشا والياً على مصر وأستمر إلى أواخر سنة 1174 ونزل إلى القبة متوجهاً إلى جدة فأقام هناك.
وحضر أحمد باشا كامل المعروف بصبطلان في أواخر سنة 1174. وكان ذا شهامة وقوة مراس، فدقق في الأحكام وصار يركب وينزل ويكشف على الأنبار والغلال، فتعصبت عليه الأمراء وعزلوه، وأصعدوا مصطفى باشا المعزول وعرضوا في شأنه إلى الدولة، وسافر بالعرض الشيخ عبد الباسط السنديوني ووجه مصطفى باشا خازنداره إلى جدة، وكيلاً عنه. ولما وصل العرض إلى الدولة وكان الوزير إذ ذاك محمد باشا راغب، فوجهوا أحمد باشا المنفصل إلى ولاية قندية ومصطفى باشا إلى حلب، ووجهوا باكير باشا والي حلب إلى مصر، فحضر وطلع إلى القلعة وأقام نحو شهرين ومات ودفن بالقرافة سنة 1175، وحضر حسن باشا في أواخر سنة ست وسبعين ثم عزل. وحضر حمزة باشا في سنة 1179، وسيأتي تتمة ذلك، واستقر الحال وتقلد في إمارة الحج حسين بك كشكش، وطلع سنة 1174، ووقف له العرب في مضيق وحضر إليه كبراؤهم وطلبوا مطالبهم وعوائدهم، فأحضر كاتبه الشيخ خليل كاتب الصرة والصراف وأمرهم بدفع مطلوبات العرب. فذهبوا معه إلى خيمته وأحضر المال وشرع الصراف يعد لهم الدراهم، فضرب عند ذلك مدفع الشيل، فقال لهم حينئذ: لا يمكن في هذا الوقت فاصبروا حتى ينزل الحج في المحطة يحصل المطلوب. وسار الحج حتى خرج من ذلك المضيق إلى الوسع ورتب مماليكه وطوائفه، وحضر العرب وفيهم كبيرهم هزاع فأمر بقتلهم، فنزلوا عليهم بالسيوف فقتلوهم عن أخرهم، وفيهم نيف وعشرون كبيراً من مشايخ العربان المشهورين خلاف هزاع المذكور، وأمر بالرحيل، وضربوا المدفع، وسار الحج وتفرق قبائل العرب ونساؤهم يصرخون بطلب الثأر. فتجمعب القبائل من كل جهة ووقفوا بطريق الحجاج وفي المضايق وهو يسوق عليهم من إمام الحج وخلفه ويحاربهم ويقاتلهم بمماليكه وطوائفه حتى وصل إلى مصر بالحج سالما ومعه رؤوس العربان محملة على الجمال. ودخل المدينة بالمحمل والحجاج منصورا مؤيدا فاجتمع عليه الأمراء من خشداشينه وغيرهم، وقال له علي بك بلوط قبن: أنك افسدت علينا العرب وأخربت طريق الحج، ومن يطلع بالحج في العام القابل بعد هذه الفعلة التي فعلتها. فقال: إنا الذي أسافر بالحج في العام القابل، ومنى للعرب أصطفل. فطلع أيضاً في السنة الثانية، وتجمع عليه العرب ووقفوا في كل طريق ومضيق وعلى رؤوس الجبال وأستعدوا له بما أستطاعوا من الكثرة من كل جهة، فصادمهم وقاتلهم وحار بهم وصار يكر ويفر ويحلق عليهم من إمام الحج ومن خلفه، حتى شردهم وأخافهم وقتل منهم الكثير، ولم يبال بكثرتهم مع ما هو فيه من القلة، فإنه لم يكن معه إلا نحو الثلثمائة مملوك خلاف الطوائف والأجناد وعسكر المغاربة. وكان يبرز لحربهم حاسرا رأسه مشهوراً حسامه فيشتت شملهم ويفرق جمعهم، فهابوه وأنكمشوا عن ملاقاته وأنكفوا عن الحج. فلم تقم للعرب معه بعد ذلك قائمة. فحج أربع مرات أميراً بالحج آخرها سنة 1176، ورجع سنة 1177، ولم يتعرض له أحد من العرب ذهاباً واياباً بعد ذلك. وكذلك أخاف العربان الكائنين حوالي مصر ويقطعون الطريق على المسافرين والفرحين ويسلبون الناس، فكان يخرج إليهم على حين غفلة فيقتلهم وينهب مواشيهم ويرجع بغنائمهم ورؤوسهم في أشناف على الجمال، فارتدعوا وأنكفوا عن أفاعيلهم. وأمنت السبل وشاع ذكره بذلك.
وفي هذه المدة ظهر شأن علي بك بلوط قبن واستفحل أمره، وقلد إسمعيل بك الصنجقية وجعله أشراقه وزوجه هانم بنت سيده وعمل له مهما عظيما أحتفل به للغاية ببركة الفيل. وكان ذلك في أيام النيل سنة 1174فعلموا على معظم البركة أخشاباً مركبة على وجه الماس يمشي عليها الناس للفرجة. واجتمع بها أرباب الملاهي والملاعيب وبهلوان الحبل وغيره من سائر الأصناف والفرج والمتفرجون والبياعون من سائر الأصناف والأنواع، وعلقوا الناديل والوقدات على جميع البيوت المحيطة بالبركة، وغالبها سكن الأمراء والأعيان أكثرهم خشداشين بعضهم البعض ومماليك إبراهيم كتخدا أبي العروس. وفي كل بيت منهم ولائم وعزائم وضيافات وسماعات وآلات وجمعيات. وأستمر هذا الفرح والمهم مدة شهر كامل، والبلد مفتحة والناس تغدو وتروح ليلاً ونهاراً للحظ والفرجة من جميع النواحي. ووردت على علي بك الهدايا والصلات من إخوانه الأمراء والأعيان والاختيارية والوجاقلية والتجار والمباشرين والأقباط والإفرنج والأروام واليهود، والمدينة عامرة بالخير والناس مطمئنة والمكاسب كثيرة والأسعار رخية والقرى عامرة. وحضرت مشايخ البلدان وأكابر العربان ومقادم الإقاليم والبنادر بالهداية والأغنام والجواميس والسمن والعسل، وكل من الأمراء والإبراهيمية كأنه صاحب الفرح والمشار إليه من بينهم صاحب الفرح علي بيك. وبعد تمام الشهر زفت العروس في موكب عظيم شقوا به من وسط المدينة بأنواع الملاعيب والبهلوانات والجنك والطبول ومعظم الأعيان والجاويشية والملازمين والسعاة والأغوات إمام الحريمات، وعليهم الخلع والتخاليق المثمنة، وكذلك المهاترة والطبالون وغيرهم من المقدمين والخدم والجاويشية والركبدارية والعروس في عربة. وكان الخازندار لعلي بيك في ذلك الوقت محمد بك أبو الذهب ماشياً بجانب العربة، وفي يده عكاز ومن خلفها أولاد خزنات الأمراء ملبسين بالزرد والخود واللثامات الكشميري مقلدين بالقسي والنشاب وبأيديهم المزاريق الطوال، وخلف الجميع النوبة التركية والنفيرات. فمن ذلك الوقت أشبهر أمر علي بك وشاع ذكره ونما صيته وقلد أيضاً مملوكه علي بك المعروف بالسروجية. ولما كان عبد الرحمن كتخدا بان سيدهم ومركز دائرة دولتهم انضوى إلى ممالأته ومال هو الآخر إلى صداقته ليقوى به على أرباب الرياسة من اختيارية الوجاقات، وكل منهما يريد تمام الأمر لنفسه. حتى أن عبد الرحمن كتخدا لما أراد نفي الجماعة المتقدم ذكرهم مع بعض المتكلمين وصوروا علي أحمد جاويش المجنون ما يقتضي نفيه، ثم عرضوا ذلك على عبد الرحمن كتخدا فمانع في ذلك وأظهر الغيظ وأصبح في ثاني يوم أجتمع عنده الاختيارية والصناجق على عادتهم. فلما تكامل حضور عين عبد الرحمن كتخدا غاديا إلى بيت علي بك وكذلك باقي الأمراء والاختيارية وصار الجميع والديوان في بيته من ذلك اليوم، ولبس الخلعة من الباشا على ذلك، ثم أنهم طلعوا أيضاً في ثاني يوم إلى الديوان وأجتمعوا بباب الينكجرية وكتبوا عرضحال بنفي أحمد جاويش وخليل جاويش وسليمان بك الشابوري، فقال عبد الرحمن كتخدا: وأكتبوا معهم حسن كتخدا الشعراوي أيضاً. فكتبوه وأخرجوا فرماناً بذلك نفوهم كما ذكر، واستمروا في نفيهم. وعمل أحمد جاويش وقادا بالحرم المدني وخليل جاويش أقام أيضاً بالمدينة والشابوري وحسن كتخدا جهة فارسكور والسرو ورأس الخليج، وأخذ علي بك يمهد لنفسه، وأستكثر من شراء المماليك وشرع في مصادرة الناس. ويتحيل على أخذ الأموال من أرباب البيوت المدخرة والأعيان المستورين مع الملاطفة وإدخال الوهم على البعض بمثل النفي والتعرض إلى الفائظ ببعض المقتضيات ونحو ذلك.

.حادثة سماوية:

ومن الحوادث السماوية أن في يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى هبت رسح عظيمة شديدة نكباء غريبة، وغرق منها بالإسكندرية ثلاثة وثلاثون مركبا في مرسى المسلمين، وثلاثة مراكب في مرسى النصارى. وضجت الناس وهاج البحر شديداً وتلف بالنيل بعض مراكب وسقطت عدة أشجار.
وطلع علي بك أميراً بالحج في سنة 1177ورجع في أوائل سنة 1178 في أبهة عظيمة وأرخى مملوكه محمد الخازندار لحيته على زمزم. فلما رجع قلده الصنجقية وهو الذي عرف بأبي الذهب. ثم قلد مملوكه أيوب أغا ورضوان قرابينه وإبراهيم شلاق بلغيه وذا الفقار وعلي بك الحبشي صناجق أيضاً. وأنقضت تلك السنة وأمر علي بك يتزايد. وشهلوا أمور الحج على العادة وقبضوا الميري وصرفوا العلوفات والجامكية والصرة وغلال الحرمين والانبار، وخرج المحمل على القانون المعتاد وأميره حسن بك رضوان. ولما رجع من البركة بعد أرتحال الحج، طلع علي بك وخشداشينه وأغراضه وملكوا أبواب القلعة وكتبوا فرمانا وأخرجوا عبد الرحمن كتخدا وعلي كتخدا الخربطلي وعمر جاويش الداودية ورضوان جربجي الرزاز وغيرهم منفيين. فأما عبد الرحمن كتخدا فأرسلوه إلى السويس ليذهب إلى الحجاز وعينوا للذهاب معه صالح بك ليوصله إلى السويس. ونفوا باقي الجماعة إلى جهة بحري وأرتجت مصر في ذلك اليوم وخصوصاً لخروج عبد الرحمن كتخدا، فإنه كان أعظم الجميع وكبيرهم وابن سيدهم وله الصولة والكلمة والشهرة، وبه أرتفع قدر الينكجرية على العزب، وكان له عزوة كبيرة ومماليك وأتباع وعساكر مغاربة وغيرهم، حتى ظن الناس وقوع فتنة عظيمة في ذلك اليوم. فلم يحصل شيء من ذلك سوى ما نزل بالناس من البهتة والتعجب. ثم أرسل إلى صالح بك فرمانا ينفيه إلى غزة، فوصل إليه الجاويش في اليوم الذي نزل فيه عبد الرحمن كتخدا في المركب وسافر وذهب صالح بك إلى غزة فأقام بها مدة قليلة، ثم أرسلوا له جماعة ونقلوه من غزة وحضروا به إلى ناحية بحري وأجلسوه برشيد، ورتب له علي بك ما يصرفه وجعل له فائظا في كل سنة عشرة أكياس. فأقام برشيد مدة فحضرت أخبار وصول الباشا الجديد، وهو حمزة باشا إلى ثغر سكندرية، فأرسلوا إلى صالح بك جماعة يغيبونه من رشيد ويذهبون به إلى دمياط يقيم بها، وذلك لئلا يجتمع بالباشا. فلما وصلت إليه الأخبار بذلك ركب بجماعته ليلاً وسار إلى جهة البحيرة، وذهب من خلف جبل الفيوم إلى جهة قبلي، فوصل إلى منية ابن خصيب فأقام بها وأجتمع عليه أناس كثيرة من الذين شردهم علي بك ونفاهم في البلاد، وبنى له أبنية ومتاريس وكان له معرفة وصداقة مع شيخ العرب همام وأكابر الهوارة وأكثر البلاد الجارية في التزامه جهة قبلي. وأجتمع عليه الكثير منهم وقدموا له التقادم والذخيرة وما يحتاج إليه ووصل المولى حفيد أفندي القاضي، وكان من العلماء الأفاضل ويعرف بطرون أفندي، وكان مسناً هرماً فجلس على الكرسي بجامع المشهد الحسيني ليملي درساً فأجتمع عليه الفقهاء الأزهرية وخلطوا عليه، وكان المتصدي لذلك الشيخ أحمد بن يونس والشيخ عبد الرحمن البراذعي، فصار يقول لهم: كلموني بآداب البحث أما قرأتم آداب البحث. فزادوا في المغالطة فما وسعه إلا القيام، فانصرفوا عنه وهم يقولون عكسناه.
وفي شعبان من السنة المذكورة شرع القاضي المذكور في عمل فرح لختان ولده، فأرسل إليه علي بك هدية حافلة وكذلك باقي الأمراء والاختيارية والتجار والعلماء حتى امتلأت حواصل المحكمة بالأرز والسمن والعسل والسكر وكذلك امتلأ المقعد بفروق البن ووسط الحوش بالحطب الرومي، وأجتمع بالمحكمة أرباب الملاعيب والملاهي والبهلوانات وغيرهم، وأستمر ذلك عدة أيام والناس تغدو وتروح للفرجة. وسعب العلماء والأمراء والأعيان والتجار لدعوته. وفي يوم الزفة أرسل إليه علي بك ركوبته وجميع اللوازم من الخيول والمماليك وشجر الدر والزرديات، وكذلك طاقم الباشا من الأغوات والسعاة والجاويشية والنوبة التركية، وأركبوا الغلام بالزفة إلى بيت علي بك، فألبسه فروة سمور ورجع إلى المحكمة بالموكب وختن معه عدة غلمان، وكان مهما مشهوداً، وأتحد هذا القاضي بالشيخ الوالد بالشيخ الوالد وترد كل منهما على الآخر كثيراً، وحضر مرة في غير وقت ولا موعد في يوم شديد الحر، فلما صعد إلى أعلى الدرج وكان كثيراً فاستلقى من التعب على ظهره لهرمه، فلما تروح وأرتاح في نفسه قال له الشيخ: يا أفندي لاي شيء تتعب نفسك، أنا آتيك متى شئت. فقال: إنا أعرف قدرك وأنت تعرف قدري. وكان نائبه من الأذكياء أيضاً.
ولما حضر حمزة باشا سنة 1179 المذكورة والياً على مصر، وطلع إلى القلعة عرضوا له أمر صالح بك وأنه قاطع الطريق ومانع وصول الغلال والميري وأخذوا فرمانا بالتجريد عليه، وتقلد حسين بك كشكش حاكم جرجا وأمي رالتجريدة وشرعوا في التشهيل والخروج، فسافر حسين بك كشكش وصحبته محمد أبو الذهب وحسن بك الأزبكاوي فالتطموا مع صالح بك لطمة صغيرة، ثم توجه وعدى إلى شرق أولاد يحيى، وكان حسين بك شبكة مملوك حسين بك كشكش نفاه علي بك إلى قبلي، فلما ذهب صالح بك إلى قبلي أنضم إليه وركب معه، فلما توجه حسين بك بالتجريدة وعدى صالح بك شرق أولاد يحيى أنفصل عنه وحضر إلى سيده حسين بك وأنضم إليه كما كان، ورجع محمد بك وحسن بك إلى مصر، وتخلف حسين بك عن الحضور يريد الذهاب إلى منصبه بجرجا، وأقام في المنية فأرسل إليه علي بك فرمانا بنفيه إلى جهة عينها له، فلم يمتثل لذلك، وركب في مماليكه وأتباعه وأمرائه وحضر إلى مصر ليلاً فوجد الباب الموصل لجهة قناطر السباع مغلوقا، فطرقه فلم يفتحوه، فكسره ودخل وذهب إلى بيته وبقي الأمر بينهم على المسالمة اياماً، فأراد علي بك أن يشغله بالسم بيد عبد الله الحكيم وقد كان طلب منه معجوناً للباءة فوضع له السم في المعجون وأحضره له، فأمره أن يأكل منه أولاً، فتلكأ وأعتذر فأمر بقتله. وكان عبد الله الحكيم هذا نصرانياً رومياً يلبس على رأسه قلبق سمور، وكان وجيهاً جميل الصورة فصيحاً متكلماً يعرف التركية والعربية والرومية والطليانية. وعلم حسين بك أنها من عزيمة علي بك، فتأكدت بينهما الوحشة وأضمر كل منهما لصاحبه السوء وتوافق علي بك مع جماعته على غدر حسين بك أو أخراجه، فوافقوه ظاهراً وأشتغل حسين بك على أخراج علي بك وعصب خشداشينه وغيرهم، وركبوا عليه المدافع فكرنك في بيته وأنتظر حضور المتوافقين معه، فلم يأته منهم أحد، وتحقق نفاقهم عليه. فعند ذلك أرسل إليهم يسألهم عن مرادهم فحضر إليه منهم من يأمره بالركوب والسفر، فركب وأخرجوه منفياً إلى الشام ومعه مماليكه وأتباعه، وذلك في أواخر شهر رمضان سنة 1179 وأقام بالعادلية ثلاثة أيام حتى عملوا حسابه وحساب أتباعه وهم محيطون بهم من كل جهة بالعسكر والمدافع، حتى فرغوا من الحساب وأستخلصوا ما بقي على طرفهم، ثم سافروا إلى جهة غزة، وكانت العادة فيمن ينفى من أمراء مصر انه إذا خرج إلى خارج فعلوا معه ذلك ولا يذهب حتى يوفي جميع ما يتأخر بذمته من ميري وخلافه، وأن لم يكن معه ما يوفي ذلك باع أساس داره ومتاعه وخيوله، ولا يذهب إلا خالص الذمة. وسافر صحبة علي بك أمراؤه وهم محمد بك وأيوب بك ورضوان بك وذو الفقار بك وعبد الله أغا الوالي وأحمد جاويش وقيطاس كتخدا وباقي أتباعه. وأستقر خليل بك كبير البلد مع قسيمه حسين بك كشكش وباقي جماعته وحسن بك جوجو، وعزلوا عبد الرحمن الرحمن أغا وقلدوا قاسم أغا الوالي أغات مستحفظان، وورد الخبر من الجهة القبلية بأن صالح بك رجع من شرق أولاد يحيى إلى المنية وأستقر فيها وحصنها. فعند ذلك شرعوا في تشهيل تجريدة وبرزوا إلى جهة البساتين. وفي تلك الأيام رجع علي بك ومن معه على حين غفلة ودخل إلى مصر، فنزل ببيت حسين بك كشكش ومحمد بك نزل عند عثمان بك الجرجاوي وأيوب بك دخل منزل إبراهيم أغا الساعي، فأجتمع الأمراء بالآثار وعملوا مشوره في ذلك. فاقتضى الرأي بأن يرسلوه إلى جدة، فأجتمع الرأي بأن يعطوه النوسات ويذهب إليها، فرضي بذلك وذهب إلى النوسات وأقام بها، وأرسلوا محمد بك وأيوب بك وضوان بك إلى قبلي بناحية أسيوط وجهاتها، وكان هناك خليل بك الأسيوطي فانضموا إليه وصادقوه وسفروا التجريدة إلى صالح بك فهزمت فأرسلوا له تجريدة أخرى وأميرها حسن بك جوجو وكان منافقا فلم يقع بينهم إلا بعض مناوشات، ورجعوا أيضاً كأنهم مهزومون وأرسلوا له ثالث ركبة، فكانت الحرب بينهم سجالاً ورجعوا كذلك بعد أن اصطلحوا مع صالح بك أن يذهب إلى جرجا ويأخذ ما يكفيه هو ومن معه ويمكث بها ويقوم بدفع المال والغلال. وكان ذلك في شهر جمادى الأولى سنة 1180 وفي ثاني شعبان منها اتهموا حسن بك الأزبكاوي أنه يراسل علي بك وعلي بك يراسله، فقتلوه في ذلك اليوم بقصر العيني ورسموا بنفي خشداشينه وهم حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وسليمان أغا كتخدا الجاويشية سيد الثلاثة وهو زوج أم عبد الرحمن كتخدا وكان مقيماً بمصر القديمة، وقد صار مسناً، فسفروهم إلى جهة بحري ةتخيلوا من أقامة علي بك بالنوسات، فأرسلوا له خليل بك السكران فأخذه وذهب به إلى السويس ليسافر إلى جدة من القلزم وأحضر له المركب لينزل فيها. ا وكان مقيماً بمصر القديمة، وقد صار مسناً، فسفروهم إلى جهة بحري ةتخيلوا من أقامة علي بك بالنوسات، فأرسلوا له خليل بك السكران فأخذه وذهب به إلى السويس ليسافر إلى جدة من القلزم وأحضر له المركب لينزل فيها.
وفي ثاني شهر شوال من السنة ركب الأمراء إلى قراميدان ليهنئوا الباشا بالعيد، وكان معتاد الرسوم القديمة أن كبار الأمراء يركبون بعد الفجر من يوم العيد،كذلك أرباب العكاكيز فيطلعون إلى القلعة ويمشون إمام الباشا من باب السراية إلى جامع الناصر بن قلاوون، فيصلون صلاة العيد ويرجعون كذلك ثم يقبلون أتكه ويهنئونه وينزلون إلى بيوتهم، فيهنئ بعضهم بعضاً على رسمهم وأصطلاحهم، وينزل الباشا في ثاني يوم إلى الكشك بقراميدان، وقد هيئت مجالسه بالفرش والمساند والستائر واستعد فراشو الباشا بالتطلي والقهوة والشربات والقماقم والمباخر، ورتبوا جميع الأحتياجات واللوازم من الليل، وأصطف الخدم والجاويشية والسعاة والملازمون وجلس الباشا بذلك الكشك، وحضرت أرباب العكاكيز والخدم قبل كل أحد، ثم يأتي الدفتر دار وأمير الحاج والأمراء الصناجق والاختيارية وكتخدا الينكجرية والعزب أصحاب الوقت والمقادم والأوده باشية واليمقات والجربجية، فيهنئون الباشا ويعيدون عليه وعلى قدر مراتبهم بالقانون والترتيب، ثم ينصرفون. فلما حضروا في ذلك اليوم المذكور وهنأ الأمراء الصناجق الباشا وخرجوا إلى دهليز القصر يريدون النزول، وقف لهم جماعة وسحبوا السلام عليهم وضربوا عليهم بنادق، فأصيب عثمان بك الجرجاوي بسيف في وجهه وحسين بك كشكش أصيب برصاصة نفذت من شقه، وسحب الآخرون سلاحهم وسيوفهم وأحتاط بهم مماليكهم نط أكثرهم من حائط البستان ونفذوا من الجهة الأخرى وركبوا خيولهم وهم لا يصدقون بالنجاة. وانجرح أيضاً إسمعيل بك أبو مدفع ومحمود بك وقاسم أغا ولكن لم يمت منهم إلا عثمان بك. وباتوا على ذلك فلما أصبحوا اجتمعوا وطلعوا إلى الأبواب وأرسلوا إلى الباشا يأمرونه بالنزول فنزل إلى بيت أحمد بك كشك بقوصون، وعند نزوله ومروره بباب العزب وقف له حسين بك كشكش وأسمعه كلاماً قبيحاً، ثم أنهم جعلوا عوضا خليل بك بلغيه قائمقام وقلدوا عبد الرحمن أغا مملوك عثمان بك صنجقاً عوضاً عن سيده، ونسبت هذه النكتة إلى حمزة باشا وقيل أنها من علي بك الذي بالنوسات ومراسلاته إلى حسن بك جوجو، فبيت مع أنفار من الجلفية وأخفاهم عنده مدة أيام وتواعدوا على ذلك اليوم وذهبوا إلى الكشك بقراميدان، وكانوا نحو الأربعين، فاختلفوا واتفقوا على ثاني يوم بدهليز بيت القاضي، وتفرقوا إلا أربعة منهم ثبتوا على ذلك الأتفاق وفعلوا هذه الفعلة وبطل أمر العيد من قراميدان من ذلك اليوم. وتهدم القصر وخرب وكذلك الجنينة ماتت أشجارها وذهبت نضارتها، لما حصلت هذه الحادثة أرسلوا حمزة بك إلى علي بك فوجده في المركب بالغاطس ينتظر أعتدال الريح للسفر، فرده إلى البر وأركبه بمماليكه وأتباعه ورجع إلى جهة مصر، ومر من الجبل وذهب إلى جهة شرق اطفيح ثم إلى أسيوط بقبلي، ورجع حمزة بك إلى مصر. ثم أن علي بك أجتمع عليه المنفيون وهوارة وخلافهم وأراد الأنضمام إلى صالح بك، فنفر منه فلم يزل يخادعه، وكان علي كتخدا الخربطلي هناك منفياً من قبله وجعله سفيراً فيما بينه وبين صالح بك هو وخليل بك الأسيوطي وعثمان كتخدا الصابونجي، فأرسلهم فلم يزالوا به حتى جنح لقولهم. فعند ذلك أرسل إليه محمد بك أبو الذهب، فلم يزل به حتى أنخدع له وأجتمع عليه بكفالة شيخ العرب همام وتحالفا وتعاقدا وتعاهدا على الكتاب والسيف. وكتبوا بذلك حجة وأتفق مع علي بك أنه إذا تم لهم الأمر أعطى لصالح بك جهة قبلي قيد حياته. وأتفقوا على ذلك بالمواثيق الأكيدة وأرسلوا بذلك إلى شيخ العرب همام فانسر بذلك ورضي به مراعاة لصالح بك، وأمدهم عند ذلك همام بالعطايا والمال والرجال، وأجتمع عليهم المتفرقون والمشردون من الغز والأجناد والهوارة والشجعان ولموا جموعا كثيرة، وحضروا إلى المنية وكان بها خليل بك السكران. فلما بلغه قدومهم أرتحل منها وحضر إلى مصر هارباً، وأستقر علي بك وصالح بك وجماعتهم بالمنية وبنوا حولها أسوارا وأبراجا وركبوا عليها المدافع وقطعوا الطريق على المسافرين المبحرين والمقبلين. وأرسل علي بك إلى ذي الفقار بك وكان بالمنصورة وصحبته جماعة كشاف، فارتحلوا ليلاً وذهبوا إلى المنية، فعمل الأمراء جمعية وعزموا على تشهيل تجريدة وتكلموا وتشاوروا في ذلك، فتكلم الشيخ الحفناوي في ذلك المجلس وأفحمهم بالكلام ومانع في ذلك وحلف أنه لا يسافر أحد بتجريدة مطلقاً، وإن فعلوا ذلك لا يحصل لهم خير أبداً فقالوا: إنه هو الذي يحرك الشر ويريد الانفراد بنفسه ومماليكه وأن لم نذهب إليه أتى هو إلينا وفعل مراده فينا، فقال لهم الشيخ: أنا أرسل إليه مكاتبة فلا تتحركوا بشيء حتى يأتي رد الجواب. فلم يسعهم إلا الإمتثال فكتب له الشيخ مكتوباً ووبخه فيه وزجره ونصحه ووعظه وأرسلوه إليه، فلم يلبث الشيخ بعد هذا المجلس إلا أياماً ومرض ورمى بالدم وتوفي إلى رحمة الله تعالى. فيقال أنهم أشغلوه وسموه ليتمكنوا من أغراضهم. ا ذلك لا يحصل لهم خير أبداً فقالوا: إنه هو الذي يحرك الشر ويريد الانفراد بنفسه ومماليكه وأن لم نذهب إليه أتى هو إلينا وفعل مراده فينا، فقال لهم الشيخ: أنا أرسل إليه مكاتبة فلا تتحركوا بشيء حتى يأتي رد الجواب. فلم يسعهم إلا الإمتثال فكتب له الشيخ مكتوباً ووبخه فيه وزجره ونصحه ووعظه وأرسلوه إليه، فلم يلبث الشيخ بعد هذا المجلس إلا أياماً ومرض ورمى بالدم وتوفي إلى رحمة الله تعالى. فيقال أنهم أشغلوه وسموه ليتمكنوا من أغراضهم.

.ولاية محمد باشا راقم:

وفي أثناء ذلك ورد الخبر بوصول محمد باشا راقم إلى سكندرية فأرسلوا له الملاقار وحضر إلى مصر وطلع إلى القلعة في غرة ربيع الثاني سنة 1181.
وفي حادي عشر جمادى الأولى أجتمعوا بالديوان وقلدوا حسن بك رضوان دفتر دار مصر.
وفي خامس عشرة قلدوا خليل بك بلعيه أمير الحاج وقاسم إغا صنجقاً وكتبوا فرمانا بطلوع التجريدة إلى قبلي ولبس صاري عسكرها حسين بيك كشكش، وشرعوا في التشهيل وأضطرهم الحال إلى مصادرة التجار، وأحضر خليل بيك النواخيد وهم منلا مصطفى وأحمد أغا الملطيلي وقرأ إبراهيم وكاتب البهار وطلب منهم مال البهار معجلاً فاعتذروا فصرخ عليهم وسبهم فخرجوا من بين يديه وأخذوا في تشهيل المطلوب وجمع المال من التجار، وبرز حسين بيك خيامه للسفر في منتصف جمادى الأولى، وخرج صحبته ستة من الصناجق وهم حسن بيك جوجو وخليل بيك السكران وحسن بيك شبكة وإسمعيل بيك أبو مدفع وحمزة بيك وقاسم بيك وأسرعوا في الارتحال.
وفي عشرينه أخرج خلفهم أيضاً خليل بك تجريدة أخرى وفيها ثلاثة صناجق ووجاقلية وعسكر مغاربة وسافروا أيضاً في يومها، وبعد ثلاثة أيام ورد الخبر وقوع الحرب بينهم ببياضة تجاه بني سويف فكانت الهزيمة على حسين بك ومن معه، وقتل علي أغا الميجي وخلافه. وقتل من ذلك الطرف ذو الفقار بك ورجع المهزومون في ذلك ثاني يوم الأحد طلعوا إلى أبواب القلعة وطلبوا من الباشا فرمانا بالتجريدة على الكثرة، وهو يوم السبت رابع عشرينه وهم في اسأ حال. وأصبحوا يوم علي بك وصالح بك ومن معهم وطلبوا مائتي كيس من الميري يصرفوها في اللوازم، فامتنع الباشا من ذلك وحضر الخبر يوم الاثنين بوصول القادمين إلى غمازة، وكان الوجاقلية وحسن بك جوجو ناصبين خيامهم جهة البساتين، فارتحلوا ليلاً وهربوا وتخبل عقل خليل بك وحسين بك ومن معهما وتحيروا في أمرهم وتحققوا الأدبار والزوال، وأرسل الباشا إلى الوجاقلية يقول لهم كل وجاق يلازم بابه.
وفي سابع عشرينه حضر علي بك وصالح بك ومن معهم إلى البساتين فازداد تحيرهم وطلعوا إلى الأبواب فوجدوها مغلوقة، فرجعوا إلى قراميدان وجلسوا هناك، ثم رجعوا وتسحب تلك الليلة كثير من الأمراء والأجناد وخرجوا إلى جهة علي بك، وكان حسن بك المعروف بجوجو ينافق الطرفين ويراسل علي بك وصالح بك سراً ويكاتبهما وضم إليه بعض الأمراء مثل قاسم بك خشداشه وإسمعيل بك زوج هانم بنت سيدهم وعلي بك السروجي وجن علي وهو خشداش إبراهيم بك بلغية وكثير من أعيان الوجاقلية ويرسلون لهم الأوراق في داخل الأقصاب التي يشربون فيها الدخان ونحو ذلك.
وفي ليلة الخميس تاسع عشرين جمادى الأولى هرب الأمراء الذين بمصر وهم خليل بك شيخ البلد وأتباعه وحسين بك كشكش وأتباعه، وهم نحو عشرة صناجق وصحبتهم مماليكهم وأجنادهم عدة كثيرة وأصبح يوم الخميس فخرج الأعيان وغيرهم لملاقاة القادمين ودخل في ذلك اليوم علي بك وصالح بك وصناجقهم ومماليكهم وأتباعهم، وجميع من كان منفياً بالصعيد قبل ذلك من أمراء ووجاقلية وغيرهم، وحضر صحبتهم علي كتخدا الخربطلي وخليل بك السيوطي وقلده علي بك الصنجقية مجدداً وضربت النوبة في بيته، ثم أعطاه كشوفية الشرقية وسافر إليها.
وفي يوم الأحد ثاني شهر جمادى الثانية طلع علي بك وصالح بك وباقي الأمراء القادمين والذين تخلفوا عن الذاهبين مثل حسن بك جوجو وإسمعيل بك زوج هانم وجن علي وعلي بك السروجي وقاسم بك والاختيارية والوجاقلية وغيرهم إلى الديوان بالقلعة، فخلع الباشا على علي بك واستقر في مشيخة البلد كما كان، وخلع علي صناجقه خلع الأستمرار أيضاً في أماراتهم كما كانوا، ونزلوا إلى بيوتهم وثبت قدم علي بك في إمارة مصر ورئاستها في هذه المرة، وظهر بعد ذلك الظهور التام وملك الديار المصرية والأقطار الحجازية والبلاد الشامية، وقتل المتمردين وقطع المعاندين وشتت شمل المنافقين وخرق القواعد وخرم العوائد وأحزب البيوت القديمة وأبطل الطرائق التي كانت مستقيمة، ثم أنه حضر سليمان أغا كتخدا الجاويشية وصناجقه إلى مصر وعزم على نفي بعض الأعيان وأخراجهم من مصر، فعلم أنه لا يتمكن من أغراضه مع وجود حسن بك جوجو، وأنم ما دام حياً لا يصفو له الحال، فأخذ يدبر على قتله فبيت مع أتباعهم على قتله فحضر حسن بك جوجو وعلي بك جن علي عند علي بك وجلسوا معه حصة من الليل وقام ليذهب إلى بيته، فركب وركب معه جن علي ومحمد بك أبو الذهب وأيوب بك ليذهبا أيضاً إلى بيوتهما لأتحاد الطريق، فلما صاروا في الطريق التي عند بيت الشابوري خلف جامع قوصون سحبوا سيوفهم وضربوا حسن بك وقتلوه وقتلوا معه أيضا جن علي، ورجعوا وأخبروا سيدهم علي بك، وذلك ليلة الثلاثاء ثامن شهر رجب من سنة 1181، وأصبح علي بك مالكاً للأبواب ورسم بنفي قاسم بك وإسمعيل بك أبي مدفع وعبد الرحمن بك وإسمعيل بك كتخدا عزبان ومحمد كتخدا زنور ومصطفى جاويش تابع مصطفى جاويش الكبير مملوك إبراهيم كتخدا وخليل جاويش درب الحجر.
وفي حادي عشر شهر شوال أخرج أيضاً نحو الثلاثين شخصاً من الأعيان ونفاهم في البلاد، وفيهم ثمانية عشر أميرا من جماعة الفلاح، وفيهم علي كتخدا وأحمد كتخدا الفلاح وإبراهيم كتخدا مناو وسليمان أغا كتخدا جاووشان الكبير وصناجقه حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وخلافهم مقادم وأوده باشية، فنفى الجميع إلى جهة قبلي وأرسل سليمان أغا كتخدا الجاويشية إلى السويس ليذهب إلى الحجاز من القلزم وأستمر هناك إلى أن مات.
وفيه قبض علي بك على الشيخ يوسف بن وحيش وضربه علقة قوية ونفاه إلى بلده جناج، فلم يزل بها إلى أن مات. وكان من دهاة العالم، وكان كاتباً عند عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وله شهرة وسمعة في السعي وقضاء الدعاوى والشكاوى والتحيلات والمداهنات والتلبيسات وغير ذلك.
في شهر الحجة وصلت أخبار عن حسين بك كشكش وخليل بك أنهم لما وصلوا إلى غزة جمعوا جموعاً وأنهم قادمون إلى مصر، فشرع علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة وبرزوا وسافروا. ثم ورد الخبر بعد ثلاثة أيام أنهم عرجوا إلى جهة دمياط ونهبوا منها شيئاً كثيراً، ثم حضروا إلى المنصورة ونهبوا منها كذلك فأرسل علي بك يأمر التجريدة بالذهاب إليهم، وأرسل لهم أيضاً عسكراً من البحر، فتلاقوا معهم عند الديزس والجراح من أعمال المنصورة عند سمنود، فوقع بينهم وقعة عظيمة وانهزمت التجريدة وولوا راجعين. وقتل في هذه المعركة سليمان جربجي باش اختيار جمليان وأحمد جربجي طنان جراكسه وعمر إغا جاووشان أمين الشون، وكانوا صدور الوجاقات ولم يزالوا في هزيمتهم إلى دجوة. فلما وصل الخبر بذلك إلى علي بك أهتم لذلك ونزل الباشا وخرج إلى قبة باب النصر خارج القاهرة وجمع الوجاقلية والعلماء وأرباب السجاجيد، وأمر الباشا بأن كل من كان وجاقياً أو عليه عتامنة يشهل نفسه ويطلع إلى التجريدة أو يخرج عنه بدلاً، وأجتهد علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة أخرى وكبيرها محمد بك أبو الذهب، وسافروا في أوائل المحرم واجتمعوا بالتجريدة الأولى، وسار الجميع خلف حسين بك وخليل بك ومن معهم، وكانوا عدوا إلى بر الغربية بعد أن هزموا التجريدة، فلو قدر الله أنهم لما كسروا التجريدة ساقوا خلفهم كما فعل علي بك وصالح بك لدخلوا إلى مصر من غير مانع، ولكن لم يرد الله تعالى لهم ذلك.
وانقضت هذه السنين وما وقع بها.